لدبلوماسية الموريتانية... عهد الفشل وخلط الأوراق
الدبلوماسية الموريتانية... عهد الفشل وخلط الأوراق
لعل المتتبع لمسار الدبلوماسية الموريتانية منذ الاستقلال وحتى الآن يدرك مدى التحول الحاصل في دبلوملسيتنا والفروق الشاسعة بين دبلومسية عهد الاستقلال وما هي عليه اليوم.
فبينما كانت في عهد الرئيس الراحل المختار بن داداه رافدا من روافد التنمية البشرية وجسرا للتعريف بموريتانيا والدفاع عن قضايا الأمة وخادما للشعب وإن لم تخلو من أخطاء، مرت في عهود الأنظمة العسكرية بمنعطفات خطيرة كادت تودي بها في حروب طاحنة مع جيران أشقاء سواء في عهد ولد هيدالة مع المغرب أو في عهد ولد الطايع مع السنغال وقد كانت العلاقة التي أقدم عليها ولد الطايع مع إسرائيل منتصف التسعينات أكبر وصمة عار في جبين الدبلوماسية الموريتانية منذ الاستقلال.
وقد شهدت مرحلة انتعاش وعودة موريتانيا للعب دورها الطبيعي في عهد الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله من خلال إعادة الدفء للعلاقات مع الجيران في إطار الاحترام المتبادل والعلاقات المتوازنة والابتعاد عن لعبة المحاور الإقليمية مع ارتكابها خطأ فادحا عندما لم يقطع العلاقة المشينة والمرفوضة من قبل الشعب الموريتاني مع إسرائيل.
إلا أنه وبعد وصول الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى الحكم في انقلاب عسكري 2008 شهدت العلاقة مع العالم الخارجي انتكاسة كبيرة إثر وأده للديمقراطية الوليدة عندما انقلب على رئيس منتخب، مما أكد انطباعا كان سائدا لدى الكثيرين بأن الجيش لا يزال ممسكا بالسلطة ومستعدا "للتصحيح" في أي لحظة.
ولعل الشيء الوحيد الذي يحسب لعزيز في مجال الدبلوماسية هو قطعة العلاقة مع إسرائيل وهو الباحث حينها عن الدعم الداخلي كما كانت نكاية في الموقف الغربي الداعي للديمقراطية وطمعا في دعم قطري إيراني.
وبعد انتخاب عزيز في اقتراع 18 يوليو 2009 والذي نتج عن اتفاق سياسي في دكار بين المعارضة وعزيز ظن كثيرون أن مرحلة من الانفراج ستشهدها العلاقات مع العالم الخارجي وهو ما حصل بالفعل لكن دخول النظام الحاكم في لعبة المحاور الإقليمية والدولية جلب عليه سخط الكثيرين ممن كانوا يعتبرون حتى وقت قريب أقرب حلفائه وأكثرهم حماسا في الدفاع عنه أيام الانقلاب وهو ما أضر بمصالح الموريتانيين في الخارج كالأزمة مع السنغال وأزمة الطلاب في الجامعات المغربية.
كما أن مواقف الحكومة الموريتانية لم تكن تراعي في الغالب المصالح الكبرى عند ما يتعلق الأمر بالصراعات في الدول الإقليمية، ففي أزمة انتخابات ساحل العاج وقفت موقفا "محقا" إلى جانب الرئيس المنتخب الحسن وترا في مجاراة واضحة للموقف الفرنسي والغربي عموما.
وهو ما جلب الويلات على جاليتنا هناك التي تعتبر أكبر جالية موريتانية في إفريقيا، لتكتفي الحكومة بعد ذلك بمهمة رجل الإطفاء وتنقل الموريتانيين "مصفرين" إلى وطنهم بخفي حنين والسبب المباشر هو انحياز النظام إلى الشرعية الدستورية لا أكثر!.
كما كان الموقف الموريتاني من ربيع الثورات العربية فاترا بل وحتى رافضا لها في أحيان كثيرة، ولا أدل على ذلك من التمسك الرسمي بالقذافي حتى بعد وفاته وحرص عزيز على تهنئة الرئيس اليمني في أي مناسبة وتطلعه دائما للعمل المشترك معه وزيارة التضامن التي أداها الوزير الأول لدمشق في خضم ثورة الشعب السوري ضد بشار.
أما لعبة المحاور الإقليمية ودخول النظام فيها فقد جنت علينا الكثير فهرولة النظام إلى العلاقة مع إيران وفتحه المجال لها وغضه الطرف عن المد الشيعي المتصاعد أدى إلى سخط الدول الخليجية على موريتانيا التي بها جاليات موريتانية كبيرة وعلاقات ضارية الجذور في القدم واستثمارات ضخمة ومساعدات سخية كلما تطلب الأمر ذلك.
كما ظل النظام يترنح دائما بين محوري الرباط والجزائر وإن استقر مؤخرا في محور الجزائر وهو ما حرمه من مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي وهو المقعد الذي ظلت الحكومة الموريتانية على مدار العام تجمع الدعم له في قارات العالم الخمس وكان حاضرا في جميع زيارات الرئيس إلى الخارج ولقاءاته بالمسؤولين الأجانب الذين زاروا موريتانيا خلال عام، حتى إن وزير الخارجية حضر قمة عدم الانحيار لحشد الدعم والتأييد ناسيا أن الحرب الباردة انتهت وأننا في العام 2011، لتترشح المغرب لذلك المقعد وتفوز بفارق كبير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مرغمين على خوض شوط ثاني لنهزم بعدها هزيمة نكراء أمام التوغو! واحراه.
كما أن قيادة بلادنا للجنتي الاتحاد الإفريقي لحل الأزمة في كل من ليبيا وساحل العاج لم تكن موفقة حتى أضحى عام الشؤم بالنسبة للأفارقة الذين نجحوا في حل أو حلحلة صراعات سابقة لم تكن موريتانيا في لجنتها "الله إبرك نوبتن".
والأدهي من ذلك أنه مع فشل الدبلوماسية الموريتانية في حل النزاعات وفتح آفاق جديدة على العالم الخارجي والظفر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن رشحها له الاتحاد الإفريقي، فإنها أضحت كثيرة التحولات في المواقف بسرعة فائقة ومن الصعب على أي كان أن يعرف الخط الواضح للدبلوماسية الموريتانية هذه الأيام في حين بعث الرئيس قبل أشهر وزيره الأول إلى طهران وزارها الرئيس قبل ذلك فإن موريتانيا صوتت إلى جانب إدانة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة إثر اتهام السعودية لها بمحاولة اغتيال سفيرها في واشنطن.
كما أن زيارة المؤازرة والتضامن التي أداها ولد محمد لغظف لدمشق وتوشيح بشار للسفير الموريتاني لم تشفع للنظام السوري من موقف موريتاني متشدد في الجامعة العربية في ارتباك واضح لا يخفى على ذي بال.
كما أن غياب وزير الخارجية عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في الرباط وهو الموجود حينها هناك إهمالا وغيابا غير مبرر، إنها وببساطة دبلوماسية الفشل والإهمال وخلط الأوراق.
عبد الله ولد اخليفة
طالب جامعي